الأحد، 1 يناير 2012

رحلة داخل أعماق الدكتورة عائشة راتب: حاورتها نادية كيلانى


رحلة داخل أعماق الدكتورة عائشة راتب
وجدت نفسي في الجامعة.. والوزارة أعطتني الخبرة.. أما عملي سفيرة أسعدني جدا.
حاورتها: نادية كيلاني
إن أردت أن تخرج من ذاتك لتلتقي بها في عالم آخر.. عالم غريب.. تزينه رحلة كفاح طويلة.. وانجازات عديدة.. وانتماء عميق لوطن اسمه مصر.. وإيمان بأن المرأة لم تخلق لتكون وعاء للنسل..
فاقصد مكانا واختر شخصا.. واطرق بابا.
المكان: شقة أنيقة مطلة على النيل.
الشخص: أستاذة في القانون الدولي-أول وزيرة مصرية للشئون الاجتماعية- أول سفيرة مصرية في ألمانيا والدنمارك.
الباب: باب الدكتورة عائشة راتب.
عند مثولك أمام بابها الذي تعلوه لوحة نحاسية يزينها اسم الدكتورة عائشة، والتي تبادر بفتحه وتعلو وجهها ابتسامة غاية في العذوبة، وعند دخولك عالمها يتسلل إلى نفسك شعور من القداسة والرهبة يتصاعد بمجرد رؤيتك لأسماء أعلام الفكر والقانون والسياسة والمرأة الذين استقروا في مكتبتها.
سألتها بعد محاولتي لاستجماع أجزاء نفسي التي تناثرت بين أركان عالمها.
*الدكتورة عائشة راتب تقلدت مناصب عديدة.. أستاذة جامعية ثم وزيرة ثم سفيرة.. فماذا أضافت إليك هذه المناصب.؟
**أضافت إلي الكثير، ففي الجامعة وجدت نفسي مع الطلبة، وأعتقد أنني من المحظوظات، فقد كنت أحس بالطالب أو الطالبة في مدرج المحاضرة وأتفاعل معهم، ومن أكثر دواعي فخري أنني كلما ذهبت لمكان ما وجدت من يرحب بي قائلا: حضرتك كنت أستاذتي.
أما وزارة الشئون الاجتماعية فقد أعطتني الخبرة، وتعرفت على حقيقة مصر، فمصر ليست جادن سيتي، ولا الزمالك، ولا مصر الجديدة، مصر موجودة في قرى الصعيد والنوبة وبحري، والواحد لابد أن يعرف بلده حتى يستطيع أن يعبر عنها بصدق، أما عملي كسفيرة فقد أسعدني جدا، فرغم حسن علاقتي بالسفراء الأوروبيين والآسيويين والأمريكان والأفارقة إلا أن الذي كان يشعرني بالسعادة هو إحساسي بشعور السفراء الأفارقة والعرب الطيب تجاهي، فقد كان وجودي يمثل سعادة كبيرة لكليهما، وكانت علاقتي بهم متميزة وحميمة.
إنني مؤمنة بأن المرأة لم تخلق لتكون وعاء للنسل، بل عليها أن تشارك بفاعلية في مختلف المجالات.
*ألم يؤثر عملك بالسياسة على حياتك كزوجة وأم.؟
**إطلاقا، وأذكر أن الرئيس نيكسون أجاب على ذات السؤال قائلا:
- على رجل السياسة أن يختار المرأة التي يستطيع الاعتماد عليها كزوجة وكربة بيت مسئولة لأنه من الصعب على الرجال المشهورين إحاطة أطفالهم بالرعاية.
*وكنت من أوائل الذين ساهموا في وضع قانون الأحوال الشخصية وذلك أثناء تولية وزارة الشئون الاجتماعية.. والآن وبعد مرور سنوات عديدة على تطبيقه فما هى رؤيتك له، وخاصة من ناحية تقييمه.؟
**مشروع قانون الأحوال الشخصية صدر في وجود الدكتورة آمال عثمان، والبداية فقط كانت معي، أما عن رأيي في القانون الحالي فبخصوص القوانين التي تمس الأسرة فمصلحة الأولاد أولا، ومادام القانون في مصلحة الأولاد فعلى الأب والأم أن يخضعا له، فمن غير المعقول أن الأطفال أيا كانت أعمارهم يجدون أنفسهم فجأة في الشارع سواء كان الخطأ من جانب الأب أو من جانب الأم، وبالتالي فالقانون الذي يحافظ على صالح الأولاد يجب احترامه.
*هناك ثغرات في قانون الأحوال الشخصية الحالي ومنها عدم إعلام الزوجة الأولى في حالة الزواج بالثانية فما هو تعقيبك.؟
**أقول إن الحياة الزوجية قاسم مشترك بين الزوجين تتطلب الصراحة، وأن يعرف كل طرف حقوقه وواجباته، وأنا أصر على استخدام هذا التعبير "حقوق وواجبات" إذن، السيدة من حقها أن تقبل أو ترفض مسألة مشاركة امرأة أخرى في زوجها.
*ألست معي في أن هذا قد أدى إلى نتائج وخيمة منها كثرة الزواج العرفي فما رأيك.؟
**فيما يتعلق بالزواج العرفي فأنا أحذر كل سيدة منه، لأن مثل هذا الزواج لا يعطي حقوقا للمرأة، فإذا أرادت إثباته فهي مضطرة إلى السير في طريق طويل وشاق وتواجه إجراءات طويلة هى في غنى عن كل هذا، وأقول إن أي سيدة عاقلة متزنة تعرف صالحها عليها أن تفكر مرة واثنين وثلاث قبل أن تتزوج زواجا عرفيا.
*مؤتمرات عديدة تعقد من آن لأخر خاصة بالمرأة المصرية، تثار في فعالياتها قضايا مثل المساواة، وعمل المرأة، فماذا تقول الدكتورة عائشة راتب حول تلك الظاهرة.؟
** أرى أن المرأة المصرية تتمتع بمساواة مع الرجل أكثر مما تتمتع به المرأة في بلاد أخرى كثيرة، أكثر من المرأة الأمريكية مثلا.. وهذه حقيقة واقعة.. ولا يمكن لنا نحن السيدات أن نجادل فيها؛ فالتعليم مجاني لكليهما، حتى أنه في بعض الكليات عدد البنات يفوق عدد الأولاد، أما بالنسبة لعمل الخريجين فالدولة تأخذ بمبدأ تشغيلهم وتوزيعهم على أماكن العمل بالتساوي، وفيما يتعلق بالأجور فليس هناك تفرقة بينهما، إذن هناك مساواة، وعدم المساواة يأتي من جانبنا نحن، ففي بعض الأحيان يكون للمرأة الحق ولا تمارسه مثل الانتخابات.. فالمرأة لها الحق في الانتخابات ولكن ليست كل سيدة تذهب إلى صناديق الاقتراع.. إذا تحقيق مبدأ المساواة يرجع إلى عدم وعي بعض السيدات أو تكاسل البعض الأخر,
أما فيما يتعلق بنظرة الرجل إلى عمل المرأة، واسمحي لي أن أؤكد على أن قلة قليلة هي التي لا يؤيد عملها، أما الأغلبية فمعه، ودعينا نتكلم بصراحة، الضرورة الاقتصادية تحتم على العائلات المثقفة المتوسطة أن يعمل الرجل والمرأة جنبا إلى جنب، وأن لم تعمل الفتاة من سوف يلبي احتياجاتها المادية بعد والدها.!!
وأقول على الرجل أن يكون أول من يناصر تعليم المرأة وعملها.
*الدكتورة عائشة راتب عملت في مجال السلك الدبلوماسي نود أن نعرف هل هناك فرق بين عمل الرجل والمرأة في هذا المجال.؟
**لا أجد فرقا بخصوص العمل الدبلوماسي بين الرجل والمرأة وقد كنت عندما يسألني أحد بالخارج هل أنت السفيرة المصرية الوحيدة في مصر أقول لهم: صحيح أنني السفيرة الأولى ولكن ليس معنى هذا أنني الدبلوماسية الوحيدة لأن وزارة الخارجية عندنا وصل عدد السيدات بها إلى منصب وزير مفوض، وبالتالي الدور سوف يأتي عليهن ليصبحن سفيرات.
فالمسألة فقط مسألة عمر، وأنا سبقتهن في السن ليس إلا.. وأيضا لدينا كثيرات في سفارتنا بالخارج مستشارات وسكرتيرات أوائل، ووزيرات مفوضات.. وأيضا في مجال العمل الدبلوماسي لا تقل المرأة في الكفاءة عن الرجل، وقد كان لي الشرف أن أتعامل مع عدد من الدبلوماسيات في "بون" وكنا مثل بناتي وأخواتي، وكن نمثل المرأة المصرية خير تمثيل، وعندما كنت أدعي إلى تجمعات وحفلات استقبال كنت أتعمد أن آخذ معي الدبلوماسيات الموجودات في السفارة أو في المكتب الإعلامي أو الثقافي لكي يعرف الأجانب أن في مصر نماذج متميزة للمرأة.
*بالتأكيد أن العمل في هذا المجال قد أضاف إلى شخصية الدكتورة عائشة راتب وإلى رصيد خبراتها- فما هو رأيك.؟
**في كل منصب شغلته تعلمت الكثير وأضفت الكثير لخبراتي، فخلال فترة عملي بألمانيا رأيت كيف يعمل الشعب، وكيف يؤدي واجبه، وكيف يشعر بالمسئولية، مما جعلني أتمنى أن يكون كل فرد في مصر لديه ذات الاحساس بتلك المسئولية، وبالانضباط والإيمان بقيمة الوقت، وأتمنى أن أرى مصر مثل ألمانيا.
*بعيدا عن الدبلوماسية والمناصب.. أنت صاحبة فكر خاص في مجال القانون الدولي.. فماذا عن انتاجك الفكري.؟
**لي حوالي 33مؤلفا مابين كتاب ومقالة وبحث، وجميعها في القانون الدولي العام من فروع المعرفة، ومعظم هذه المؤلفات يتم تدريسها في بعض البلاد العربية وهي مرتبطة بالقانون وليست ثمة علاقة بينها وبين المناصب التي تقلدتها.
جريدة المجتمع الدولي/15 يونيو 1996