الجمعة، 1 يناير 2010

حوارمع: أول مديرة لمركز إسلامي: أجرته الأديبة والكاتبة الصحفية نادية كيلانى

حوارمع: أول مديرة لمركز إسلامي
تحقق المرأة في مجال العمل كل يوم مكاسب جديدة، وإن كان أي مكسب تحصل عليه المرأة هو نصر تفخر به بنات جنسها، فهنيئا للمرأة بالمكسب الجديد الذي حصلت عليه المرأة المصرية، والمسلمة على وجه الخصوص، وهو منصب "مديرة المركز الإسلامي".. "فجامع محمود" هو أول مركز إسلامي يضم العديد من الأنشطة، والسيدة "زينب حسن حمدي" هي أول مديرة للمركز الإسلامي.

إلتقيت بالسيدة الفاضلة في غرفة الإدارة بالمركز، وأخبرتها أنني أريد أن أجري معها حوارا حول الأنشطة التي يشتمل عليها المركز الإسلامي، ونصيب المرأة من تلك الأنشطة، وكيف أصبحت مديرة للمركز، وقبل ذلك كله كيف نشأت فكرة "جامع محمود".. ولماذا.؟

ثم تركت لها فرصة ترتب فيها أفكارها وبدأت أجول بناظري في أرجاء المكان، وأول ما لفت نظري صورة الدكتور مصطفى محمود ممسكا بالمصحف، ثم لوحة تضم ثلاثة أوسمة، اثنان للعلوم والفنون من الدرجة الأولى يتوسطهما وسام الجمهورية من الدرجة الثانية، ثم جائزة شرف من المركز الكاثوليكي المصري عن برنامجه "العلم والايمان" ثم شهادة تقدير من الإذاعة والتليفزيون عن قصة "مرآة في الكف" ثم عادت عيناي واستقرتا على السيدة المديرة وكانت قد تهيأت للكلام، فسألتها:

فكرة المركز

*كيف نشأت فكرة انشاء "جامع محمود" – ولماذا.؟


- هي فكرة الدكتور مصطفى، والسبب هو ما آل إليه دور المساجد من تقصير، فدور المسجد لا يقتصر على العبادة فقط فالصلاة يمكن أن تقام في أي مكان، أما المسجد في الإسلام فله دور كبير وهو أن يكون جامعا تعقد فيه الندوات وتؤخذ فيه البيعة وتنشأ فيه القرارات المهمة، ويتم إبلاغها للناس، وكان (صلى الله عليه وسلم) يجتمع بالصحابة والمؤمنين في المسجد ويعلمهم أمور دينهم ودنياهم، فالمسجد له دور تعليمي، توجيهي وارشادي، من هنا فكر الدكتور مصطفى في عمل المسجد الذي يشتمل على جميع هذه النواحي: أي المسجد الجامع فكان "جامع محمود".
* لفت نظري وجود أربعة أحواض للسمك في غرفتك ألا يعد هذا اسراف.؟ تقول:
- هذه الغرفة سوف تحول إلى متحف للأحياء المائية، هذا الحوض به أسماك الماء العذب، وهذان الحوضان بهما أسماك الماء المالح، أما الرابع ففيه نوع من السلاحف، وسوف يؤتي بحوض به تمساح وأنواع أخرى، والمتحف المائي من فروع المتحف البيولوجي الذي يشتمل على الحفريات والصخور والأحجار الكريمة –والخامات، والمعادن ومجموعة لا بأس بها من الفراش.
والمتحفان السابقان يظهران قدرة الخالق سبحانه وتعالى، فعندما يرى الانسان فراشة بألوانها الجميلة أو فراشة متنكرة كورقة شجرة ينطق الإنسان على الفور بلفظ الجلالة "الله".
والمركز يحاول إظهار بديع خلقه، ويعطي فرصة للشباب أن يدرس ويقرأ، ويبحث ويفكر لأننا في حاجة إلى مثل هؤلاء الشباب. لذلك نضع له الإمكانيات.
*وماذا عن الجمعية الفلكية ومعمل الصوت والضوء فقد لفتا نظري عندما صعدت إلى سطح المركز وصولا لقاعة الندوات.؟
- الجمعية الفلكية ويشرف عليها المهندس عادل سكر تضم مرصدين "أمريكي، وألماني" وهما لرصد النجوم ومعرفة مواقعها وتحركاتها، والهدف منها تشجيع الهواة وإعطاء الفرصة للمتخصصين لدراسة المجموعة الشمسية، وهذا يفيد العلم.
فلم يقسم الله سبحانه وتعالى بمواقع النجوم إلا ووراء هذا القسم أشياء مهمة يجب على المسلم معرفتها، والمسلم العالم يكون رسولا ولابد للرسول أن يكون مقنعا.
أما معمل الصوت والضوء: فهو في دور التكوين، وهو أيضا يثبت أن العلم لا ينفصل عن الدين، فالدين يخدم العلم، والعلم يخدم الدين، والحياة لا تسير بغيرهما وإلا أصبحنا متخلفين.
فالغرب ينظر إلينا على أننا شعب متخلف، والحقيقة أننا تأخرنا عندما أخذنا بالأساليب المدنية التي تتعارض مع أساليب الإسلام، ففي الوقت الذي كانت توجد فيه امبراطورية إسلامية حقيقية كان الحكم الإسلامي حكما قويا، وقتها ظهر ابن سينا والرازي وغيرهما من الذين نشروا علومهم في العالم كله.
*لفت نظري وأنا في طريقي إليك الزحام الشديد بالعيادات.. فما السبب.؟ هل لانخفاض أجر الكشف أم لارتفاع مستوى الخدمة.؟
- ابتسمت مديرة المركز وقالت معا، فالكشف لا يزيد عن الجنيه،والأطباء إما متخصصون أو أساتذة بالجامعة، وجميعهم على كفاءة عالية من الدقة والإخلاص.
وبالمركز أحدث جهاز للأشعة "ألترسونك" وهو يكشف عن الأورام الدقيقة التي لا تكشفها الأشعة المعروفة، وتوجد جميع الوحدات العلاجية والتحاليل والأشعة وكل ما يحتاجه المريض.
*وماذا عن "البقشيش".؟
- أمنعه منعا باتا، لأن الوحدة العلاجية نشأت لخدمة الطبقة المتوسطة، فكيف يؤخذ منها "البقشيش".
*وماذا عن نشاط الدعوة.؟
- نشاط  كبير ومتنوع وثابت فهو عبارة عن ندوات بشكل منتظم ويوميا تقريبا، ويشتمل على دروس تعليمية تعلم المسلم حقوقه وواجباته، والتفرقة بين العبادات والسلوك والأخلاق مع الناس، وخاصة في بيته، كما تشتمل على دروس في الفقه والسنة وتفسير القرآن الكريم بحسب نزول الآيات، وشرح للآية الكريمة "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" وتشتمل الأسوة في كل شيء، ومن الأمثلة كيف كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يعامل زوجاته.
ومدرسة لتحفيظ القرآن للكبار والأطفال: وتضم المكتبة العديد من الكتب الدينية.
وبشكل ثابت توجد ندوة مفتوحة عقب صلاة الجمعة من أول كل شهر، وضيفها رجل مسلم، وليس رجل دين، فالدين للجميع ولا توجد وظيفة رجل دين في الاسلام.
*وعن النشاط التعليمي حدثتني السيدة الفاضلة قائلة:
- توجد دروس للتقوية للشهادات: الإبتدائي- الإعدادي- والثانوي مع تدريس اللغات للمبتدئين.
والسينما العلمية من أهم الأنشطة التعليمية لما احتوت عليه من أفلام فيديو تعليمية، ومجموعة الدكتور مصطفى محمود "العلم والإيمان" وأفلام كالرسالة وغيرها، ومكتبة ثقافية.
الخدمة .. والمرأة
*ما هو نصيب المرأة في المركز الإسلامي وفي تلك الأنشطة التي تحدثنا عنها.؟
- المرأة قاسم مشترك في كل ما تحدثنا عنه فالندوات الدينية مشتركة وللنساء مسجد كما للرجال، والخدمات الطبية للجنسين، ولها أيضا أن تدرس وتبحث في أية ظاهرة تراها سواء في الفلك والبيولوجي، والمرأة أيضا تختص ببعض النواحي أرجو أن تتحدث عنها السيدة "زهيرة العبد" المسئولة عن النشاط النسائي، ونشاط الدعوة والإعلام والرحلات.
*وقد توجهت بالسؤال للحاجة "زهيرة العبد" فقالت:
يوجد مشغل لتعليم التفصيل والحياكة للفتيات والسيدات، وقد خرَّج عدة دفعات بحمد الله وتشرف عليه السيدة عزيزة الخولي.
تطوع كثير من الفتيات بتدريس اللغات للمبتدئين.
ويوجد مشروع هوايات، فالتي تجد في نفسها اتقان صنعة ما وتحب أن تساعد غيرها تترك لنا عنوانها وتليفونها، والهوايات مثل الطهو- عمل الحلويات- المخللات – التطريز – التفصيل – صنع أي شيء.. الخ،
كما استطاع المركز بقدرة الله سبحانه وتعالى أن يوفق في حل كثير من المشكلات العائلية لزوجات تعيسات اتجهن إلى الله فهدأت نفوسهن.
يقوم المركز بعمل رحلات لزيارة دور العبادة والمتاحف الإسلامية ويوجد عقب صلاة عصر الخميس ندوة خاصة بالسيدات تقدمها "د.عزة البوهي".

مشروعات الزكاة
*أشعر بأن شيئا مهما ينقص الحديث، فقد قرأت فوق شباك بين مسجد الرجال ومسجد النساء عبارة " هنا تقبل الزكاة" فلابد أن وراء ذلك مشروعات كبيرة.؟
- وبعد تحرج من السيدة زينب خوفا من أنه يكون بمثابة الإعلان عن الخير وللفائدة والاقتداء قالت:
- بالنسبة للخدمات المادية التي يقوم بها المركز فهي تعتمد على الزكاة والصدقات التي تقدم للجامع، ودورنا هو توصيل الزكاة لمستحقيها وحسب المصارف التي حددها الله سبحانه وتعالى في القرآن.
وبالجامع مجلس إدارة يقوم بفحص الطلبات التي تقدم، ومتى ثبت احتياج الأسرة – بمعنى عدم وجود العائل أو عجزه أو موارد الأسرة لا تكفي لوجود أولاد يصرف لها راتب شهري ما بين 20، 30 جنيها تزيد في حالات خاصة بقرار من مجلس الإدارة.
وإن أمكن تشغيل أحد أفراد هذه الأسرة في أي مكان كالمستشفيات والمدارس فالجامع يقوم بدور الوساطة في ذلك.
العلاج بالمجان:
بالوحدة الطبية يوجد قسمان: قسم الدرجات وهو الذي تكلمنا عنه وفيه الكشف بجنية، وقسم المجان وهو علاج تلك الأسر التي يساعدها المركز، فهي تحمل "كارت" أصفر تستطيع به اجراء الكشف وصرف الدواء وعمل التحاليل والأشعات بالمجان أيضا، وصرف الأطراف الصناعية إذا لزم، فالجامع يحضر هذه الأطراف بالاتفاق مع التدريب المهني، وتحول إلينا الحالات عن طريق الباحث الاجتماعي بالمستشفيات كقصر العيني، والعجوزة وغيرهما.
ويشرف على قسم المجان الدكتور محمود محفوظ" رئيس قسم الأشعة السرطانية بقصر العيني الذي يحضر للمركز كل شهر.
مشرع للمكفوفين:
والآن يجري بشأنه البحث مع رابطة المكفوفين واحضارها مثل العصا الفسفورية أو تسجيلات صغيرة لتسجيل وسماع المحاضرات لأنه توجد نسبة كبيرة منهم طلبة.
مشروع اليتيم:
ويتم بفتح حساب لكل يتيم أب وأم في بنك فيصل يبدأ بـ 500 جنيه – كما فتحنا باب التبرع في ذلك، فمن يريد التبرع لليتيم عليه أن يذهب لبنك فيصل.
ويتم اختيار اليتيم من مؤسسات الشئون الاجتماعية كالأحداث بشرط أن يكون حسن السير والسلوك، يصلي ويؤدي الفروض ويجتهد في دراسته، وترسل إلينا المؤسسة تقريرا شهريا عنه، وإلا تحول المال لصالح يتيم أخر.
وهذا لكي يخرج اليتيم من المؤسسة فيجد المال الذي يبدأ به حياته، وقد أشرفنا حتى الآن على ثلاث مؤسسات اثنتين للبنات، وواحدة للبنين، مع عمل ارشاد ديني لهم والرعاية الطبية ودروس التقوية.

  من الخدمات المادية أيضا التي يقوم بها المركز توزيع البطاطين والملابس، وأيضا النقود على مخيمات الإيواء وأقسام المجان بالمستشفيات وذلك في رمضان والأعياد والمواسم.
أحب أن أضيف أن هذا المال هو مال الله لذلك فهو يتزايد وينمو حتى يكفي لكل هذه النواحي وما علينا سوى توجيهه الوجهة السليمة.
*كيف تم اختيارك مديرة للمركز.؟
- الدكتور مصطفى توسم في النواحي الإدارية، فأنا خريجة تجارة إدارة أعمال – أيضا حبي للعمل ذاته، ففيه أحس أن هذا هو الشيء الوحيد الذي أشعر من خلاله أنني أقدم شيئا مفيدا للناس.
*ما رأيك في عمل المرأة خاصة وأن الدكتور مصطفى محمود لا يؤيده.؟
- الإسلام ليس ضد أي شيء ولكن من الناحية العملية والمنطقية إذا كانت المرأة ليست في حاجة إلى العمل فليس من الضرورة أن تتعب نفسها لأنه لا يمكن أن يكون فكرها في العمل وابنها مريض مثلا.
*أرجو تفسير كلمة احتياج فهل الاحتياج دائما مادي.؟ وماذا بالنسبة لك.؟
- أنا أسكن بالجامع نفسه، فلا أتكبد عناء المواصلات، ومتحكمة في وقتي، أذهب للشغل في أوقات معينة، وأتفرغ لبيتي في الأيام الأخرى، مع ملاحظة أن أولادي الآن في سن يعتمدون فيها على أنفسهم، أما وهم صغار تفرغت لهم تماما.
والاحتياج لا يكون ماديا دائما وإنما معنويا، فبالنسبة لي لا أتقاضى أجرا، وإنما أقدم خدمة أشعر أنني في حاجة معنوية إليها، وكذلك المرأة التي تريد أن تعمل لاشباع حاجتها المعنوية فعليها بالعمل في مجال الخدمة الاجتماعية ولابد من وجود طبيبات ومدرسات، ولكن لا داعي من مزاحمة الرجل وهو المطلوب منه أساسا الانفاق على البيت، والرجل له القوامة بما أنفق من ماله، فإن كانت المرأة ليست في حاجة مادية لماذا لا تترك مكانها لرجل كي يكون أسرة فالمصلحة العامة أهم.
*نعود إلى المركز الإسلامي وعن إمكانية عمل مراكز أخرى تخدم أحياء أخرى قالت:
- هذه الفكرة ليست واردة الآن، والسبب أن أي مشروع لابد أن يديره صاحبه بنفسه، صحيح أنه لولا نخبة ممتازة يعملون معي والنية خالصة لوجه الله، وأعضاء مجلس الادارة يعملون بالمجان ويتميزون بالتفاني والاخلاص في العمل، ولكن لابد من وجود صاحب العمل نفسه.
انتهى حواري مع السيدة "زينب حسن حمدي " زوج الدكتور "مصطفى محمود" ومديرة المركز الإسلامي "جامع محمود" والتي لم تفارق الابتسامة وجهها طوال ثلاث ساعات كاملة رغم أنني لم أسجل سوى وجه واحد من شريط التسجيل، وخلال هذه المدة والتليفونات والأقدام لم تنقطع عن ارتياد المكتب ما بين مواطن له شكوى وعامل له مطلب، وما أن شعرت المديرة بقلقي حتى طلبت بعدم الاتصال بها حتى تنتهي من حديثها مع الصحافة، وساد السكون فترة من الوقت حتى جاء الهاتف بصوت الدكتور مصطفى محمود" يقول بأنه جائع:
  ابتسمت المديرة وقالت:
- ألم أقل لك أن المرأة هي المرأة، صعب عليها التوفيق بين بيتها وعملها.
وابتسمت بدوري قائلة:
- والرجل هو الرجل طريق واحد إلى قلبه.
خرجت من المركز الإسلامي والسعادة تغمرني فقد شعرت أن المدينة الفاضلة التي كان يحلم بها أفلاطون قد تحققت. 
حواء/ 16 يونيو 1984